أحكام الطهارة من الحيض

الطهارة من الحيض من المسائل الفقهية المهمة التي تعنى بها الشريعة الإسلامية اهتمامًا بالغًا لما لها من أثر مباشر في أداء العبادات، خصوصًا الصلاة والصيام. فالحيض حالة طبيعية تمر بها المرأة، لكنها تستوجب تحقيق شروط معينة للطهارة حتى تشرع المرأة في أداء عباداتها بشكل صحيح. في هذا المقال سنناقش أحكام الطهارة من الحيض تفصيليًا مع بيان كيفية التعرف على الطهارة، وأحكام الغسل، وعلامات الطهارة، والآثار الفقهية المرتبطة بها، مستندين إلى المراجع الفقهية المعتبرة.

تعريف الحيض ومفهوم الطهارة منه

الحيض هو نزول دم من رحم المرأة في أوقات معينة من كل شهر، وهو أمر طبيعي يميز النساء في سن الإنجاب. أما الطهارة من الحيض فهي الحالة التي تنتقل إليها المرأة بعد انتهاء دم الحيض ونجاتها منه، بحيث تصبح طاهرة شرعًا وقادرة على أداء العبادات التي يُشترط فيها الطهارة، مثل الصلاة والصيام والطواف.

الطهارة من الحيض تعني إزالة النجاسة الشرعية التي هي دم الحيض، وذلك بالغسل والتأكد من علامات الطهارة الشرعية التي تبيّن انتهاء فترة الحيض.

الأحكام الشرعية المتعلقة بالحيض

في الإسلام، الحيض يُعد من الأمور التي جاءت فيها تشريعات تنظم حياة المرأة وعباداتها، ومنها:

• الامتناع عن الصلاة والصيام والطواف: يمنع على المرأة الحائض أداء الصلاة والصيام، كما يمنع عليها الطواف حول الكعبة.

• الاستثنائات: يُباح للمرأة الحائض قراءة القرآن، ودعاء الله، والذكر، وغير ذلك من العبادات التي لا تشترط الطهارة من الحيض.

• وجوب الغسل بعد انتهاء الحيض: حتى تصبح المرأة طاهرة شرعًا.

هذه الأحكام تنطلق من قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: 222].

علامات الطهارة من الحيض

لكي تعلم المرأة أن الحيض انتهى وأنها طاهرة شرعًا، لا بد من التحقق من علامات محددة يشترطها الفقهاء:

1. انقطاع الدم الحيضي عن النزول: يجب أن تتأكد المرأة من توقف الدم الذي ينزل في أيام الحيض المعروفة لها.

2. زوال علامات الحيض: مثل اختفاء الرائحة أو اللون المميز للحيض.

3. عدم ظهور دم في مدة الطهارة: أي في الأيام التي تعقب الحيض يجب أن لا يظهر دم أحمر أو غامق، وإن ظهر دم قليل جدا بعد الطهر المعروف فإنه يختلف الحكم فيه بحسب الفقهاء.

الغسل من الحيض

الغسل من الحيض هو من السنن المؤكدة، وهو شرط لصحة الصلاة والطواف بعد الحيض. وله آداب وشروط معينة:

كيفية الغسل

• نية الطهارة: يجب على المرأة أن تنوي في قلبها الغسل للطهارة من الحيض.

• التسمية: يستحب أن تبدأ بالتسمية “بسم الله الرحمن الرحيم”.

• غسل اليدين: غسل اليدين قبل بدء الغسل.

• غسل العورة وتنظيفها: يجب أن تغسل المرأة كل مواضع النجاسة، وأخذ الحيطة في غسل الفرج وتنظيفه جيدًا.

• الوضوء: يستحب الوضوء قبل الغسل، لكن لا يجب أن يكون شرطًا.

• الصب على الرأس: تصب الماء على الرأس ثلاث مرات مع الفرك، ثم على بقية البدن.

• التأكد من وصول الماء إلى جميع أنحاء الجسم: يجب أن يصل الماء لكل جزء من الجسم، بما في ذلك تحت الإبطين، وبين الأصابع، وأسفل البطن، والقدمين.

• الترتيب: يستحب أن يغسل الرأس ثم يمسح الجزء الأمامي من الجسم ثم الخلفي.

• الاستمرار في الصب والفرك حتى التأكد من الطهارة: وهو شرط لصحة الغسل.

الحكم الشرعي للغسل

• الوجوب: الغسل من الحيض واجب شرعًا، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا تقبل صلاة حائض حتى تغتسل” (رواه مسلم).

• الأثر: بعد الغسل تصبح المرأة طاهرة ويجوز لها أداء الصلاة والصيام والطواف.

الطهارة والحكم الفقهي لأوقات الحيض

تختلف فترة الحيض من امرأة لأخرى، وتحدد عادة من عدة أيام تتراوح بين ثلاثة إلى سبعة أيام، وفقًا للسنة النبوية والفقه الإسلامي. من أهم الأحكام المرتبطة بالطهارة من الحيض:

• الحد الأدنى والحد الأقصى للحيض:

  • الحد الأدنى: يومان.

  • الحد الأقصى: خمسة عشر يومًا.

• إذا تجاوز الدم الحد الأقصى: يعتبر دمًا مرضيًا وليس حيضًا، ويجوز للمرأة أداء الصلاة والصيام بعد خمسة عشر يومًا من نزول الدم حتى ولو استمر الدم.

• إذا كانت مدة الحيض أقل من يومين: لا يُعد دمًا حيضًا، بل دم نفاس أو دم غير حيض.

الطهارة من الحيض وأثرها على العبادات

الصلاة

الصلاة من العبادات التي تشترط الطهارة من الحيض، فلا تصح صلاة المرأة إلا بعد الطهارة بالغسل الشرعي. ويجوز لها أداء العبادات الأخرى التي لا تشترط الطهارة كالذكر وقراءة القرآن.

الصيام

يُحرم على الحائض الصيام في أيام الحيض، وعليها قضاء هذه الأيام بعد انتهاء الحيض وتمام الطهارة. أما في رمضان، فلا يجوز لها الصيام إلا بعد الغسل.

الطواف

يُمنع الطواف خلال الحيض، ويُشترط الغسل والطمأنينة من الدم ليجوز الطواف.

أمور أخرى

تشمل الطهارة أيضًا التعامل مع الأمور المتعلقة بالعبادات الأخرى مثل قراءة القرآن، لمس المصحف، وأداء الصلاة في جماعة.

تفاصيل فقهية مهمة حول الطهارة من الحيض

دم الاستحاضة مقابل دم الحيض

دم الاستحاضة هو الدم الذي ينزل في غير أوقات الحيض، ويختلف الحكم فيه عن دم الحيض. فالمرأة التي تنزل لها الاستحاضة تطهر نفسها بالغسل ثم تصلي وتصوم مع استمرار الدم، وتعتبر هذه الحالة مرضية في الشرع.

إذا كان الدم مختلطًا بدم الحيض

عندما يختلط دم الحيض بدم الاستحاضة أو دم النفاس، فإن حكم الطهارة يعتمد على لون الدم ووقت النزول.

كيفية التعامل مع الشك في الطهارة

إذا شكّت المرأة في طهارتها بعد الحيض، فالأصل في الشرع رفع الشك، فيعتمد على الأوقات المعتادة للحيض عندها، وعلى علامات الطهر.

حكم التيمم بعد الحيض

إذا تعذرت المياه أو عدم توفرها، يجوز التيمم بدلاً من الغسل لأداء الصلاة، مع النية والوضوء الشرعي، ولكن لا يجوز الصيام والتيمم فقط، بل يجب الغسل عند التمكن منه.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين دم الحيض ودم الاستحاضة من حيث الحكم والمدة:

أثر الطهارة من الحيض على الحياة اليومية

الطهارة من الحيض لا تقتصر فقط على الطقوس الدينية بل لها آثار نفسية واجتماعية مهمة. فهي تمنح المرأة شعورًا بالراحة والقدرة على أداء عباداتها ومشاركتها في الأنشطة الاجتماعية والثقافية بشكل طبيعي. كما أن الاهتمام بالتطهير والغسل له أثر صحي واضح في الحفاظ على نظافة الجسم وصحة المرأة.

الخلاصة

الطهارة من الحيض تعد من الأساسيات في الفقه الإسلامي التي تتطلب معرفة دقيقة بالأحكام الشرعية المتعلقة بالحيض، علامات الطهارة، كيفية الغسل، وأثر الطهارة على أداء العبادات المختلفة. الغسل الشرعي هو الوسيلة الأساسية للطهارة من الحيض، ويتوجب على المرأة تحري وقت الطهارة بدقة حتى تتأكد من زوال دم الحيض وتتمكن من أداء فرائضها التعبدية على الوجه الصحيح. كما يجب عليها معرفة الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، واتباع الأحكام المرتبطة بكل حالة بدقة. كل ذلك ضمن إطار من التفصيل الدقيق الذي تقدمه المصادر الفقهية المختلفة والتي أجمع عليها العلماء عبر القرون.

المراجع:

• الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلي.

• المجموع شرح المهذب، النووي.